هاشــم صالــح
كاتب وباحث ومترجم سوري، يهتم بقضايا التجديد الدّيني ونقد الأصولية ويناقش قضايا الحداثة وما بعدها.

من الإصلاح الديني إلى التنوير الفلسفي

أحيانا يتساءلون: هل نحن بحاجة إلى إصلاح ديني أم إلى تنوير فلسفي؟ وأنا أجيب: إننا بحاجة إلى الاثنين معا؛ الأول يمكن أن يقوم به رجال دين مستنيرون ومطلعون على عالم الفكر وتطوراته. والثاني يمكن أن يقوم به المثقفون العرب الحداثيون. فالإصلاح الديني لكي يترسخ ويكتسب مشروعيته الجماهيرية يُفضَّل أن يقوم به علماء الدين العقلاء الكبار. أما التنوير الفلسفي فمن اختصاص المثقفين العرب دون أن يعني هذا إقامة جدار عازل بين الطرفين. على سبيل العظة والاستئناس لا التقليد الأعمى أهدف هنا إلى تبيان الجهد الذي بذله الفكر الأوروبي لكي يتحرر من الانغلاقات التراثية المسيحية.

بحثا عن غازي القصيبي!

دعاني الأستاذ غسان الشهابي مشكورا للمشاركة في الاحتفال الكبير الذي سيقام على شرف الدكتور غازي القصيبي في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل بالبحرين. وبهذه المناسبة ستصدر وزارة الثقافة ضمن سلسلة كتاب «أطياف» الشهيرة عددا خاصا عن الأديب السعودي الراحل. ومعلوم أنها احتفلت سابقا بعدة شخصيات هامة ليس أقلها جاك دريدا أو محمد أركون أو نجيب محفوظ.. ولذا رحت أبحث عن مؤلفاته في كل مكان لتدبيج دراستي. نزلت إلى الرباط من القنيطرة حيث أقيم حاليا وتوجهت مباشرة إلى مكتبة «دار الأمان» المتخصصة في الكتاب العربي.

مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» وتنوير العقول

دشنت هذه المؤسسة الصاعدة مقرها الجديد الكبير في حي أكدال الشهير بالرباط العامرة. وهو يطل إطلالة رائعة على العاصمة المغربية من كل الجهات. وقد رافق التدشين إقامة ندوة عن الموضوع التالي: «الدين وأسئلة الفكر الراهن». وقد شارك فيها فهمي جدعان وحسن قرنفل والسيد عبد الله ولد أباه. وتلتها بعد يومين فقط ندوة أخرى بعنوان «الدين والإشكالات الفلسفية الراهنة». وقد شارك فيها محمد بن محجوب ومحمد نور الدين أفاية ويوسف بن عدي. بالطبع يصعب التحدث بشكل وافر عن كلتا الندوتين اللتين لم يتح لي للأسف الشديد إلا حضور أولاهما.

أركون في الدار البيضاء

بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل «صاحب نقد العقل الإسلامي» نظم المركز الثقافي الفرنسي في الدار البيضاء بالتعاون مع «مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات» ندوة فكرية. ومن هو الجندي المجهول الذي يقف وراء كل هذه النشاطات الفكرية والإبداعية؟ إنه ليس إلا زوجة الراحل نفسه السيدة ثريا اليعقوبي أركون. وكان عنوان الندوة «النساء يحتفلن بفكر أركون ويشدن بمناقبه في الذكرى الرابعة لرحيله». لأول مرة النساء في المقدمة والرجال في المؤخرة. لأول مرة الأنثى تتكلم والذكور يصمتون. حقا لقد انتقم التاريخ للجنس اللطيف: وأي انتقام! وذهب الجنس الخشن البشع غير مأسوف عليه.

11 سبتمبر لم يحصل بعد!

قد تقولون: هذا الشخص يمارس سياسة «خالف تُعرف». إنه مهووس بالمشاكسة والمشاغبة ليس إلا. كل هدفه لفت الأنظار. وإلا فما معنى هذا العنوان الببغائي السخيف؟ هل يعقل أن 11 سبتمبر (أيلول) لم يحصل حتى الآن؟ لماذا كل هذه الفذلكات؟ وأنا أقول لكم إني جاد كل الجدية باختياري هذا العنوان، ولست أمارس هواية التسلية أو اللعب على الحبال. إني مصرّ على القول إن 11 سبتمبر لم يحصل بعد على المستوى الفكري؛ أقصد لم يحصل ما يعادله فكريا وفلسفيا في العالم العربي والإسلامي كله. وهذا ما قلته سابقا مرارا وتكرارا. لا ريب في أن 11 سبتمبر كحدث صاعق حصل وذهب ضحيته ثلاثة آلاف شخص.

ديغول والشخصيات الاستثنائية!

لا يستطيع المرء أن يتحدث عن كل شيء رآه في الأسبوع المنصرم. لا بد له من الاختيار، من الحذف والإبقاء، من الأساسي والثانوي... إلخ. أعترف بأنني شاهدت على التلفزيون الفرنسي دخول ديغول إلى باريس يوم 26 أغسطس (آب) من عام 1944 محررا. شيء مذهل: ترى أمامك كيف يصنع الرجال العظام التاريخ. يقال غالبا بأن الظروف الاستثنائية هي التي تخلق الشخصيات الاستثنائية، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن الشخصيات الاستثنائية هي التي تخلق الظروف أيضا.

ماسينيون في المرآة

قد يتساءل أحدهم: ما علاقتنا بماسينيون يا أخي؟ لقد مات منذ نصف قرن وأكل عليه الدهر وشرب. فلماذا تنبش القبور؟ في الواقع أنك تريد التهرب من مسؤولياتك وصرف الأنظار عن قضايا الساعة. هذا كل ما في الأمر لا أكثر ولا أقل. لعبتك أصبحت مكشوفة. أجيب قائلا بأن الرد على هذه الاعتراضات سهل ومتوافر. فلا تعتقد أيها الضليل أنك ستحرجني أو تخيفني. حتى لو أقمت الدنيا وأقعدتها فلن أقول كلمة واحدة عن الأحداث الجارية. لن تمنعني من التحدث عن واحد من أكبر المعجبين بالحضارة العربية الإسلامية. ثم تلاه تلميذه جاك بيرك على نفس الخط وإن كان بمنهجية مختلفة.

هل أنت طوباوي ومجنون؟!

رغم أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إن لم نقل العربي – الإسرائيلي لم يعد الصراع الوحيد الذي يهدد المنطقة فإنه لا يزال بركانا قابلا للتفجر في أي لحظة. وما كارثة غزة الراهنة إلا أكبر مثال على ذلك. صحيح أن الصراعات العربية - العربية أو الإسلامية – الإسلامية ابتدأت تخفف من حدته تدريجيا بعد اندلاعها مؤخرا بعنف غير مسبوق. يحصل ذلك كما لو أنها كانت براكين نائمة ثم استيقظت فجأة وصرفت الأنظار عنه إلى حد كبير. لا ريب في أنه كان الصراع المركزي الأول على مدار الستين سنة الماضية ولكنه مرشح رغم كل ما حصل في غزة إلى التراجع إلى الأبواب الخلفية. لماذا أقول ذلك؟

هلوسات جنونية!

سوف تضحكون عليَّ إذا ما رويت لكم النكتة التالية: قبل بضع سنوات وقعت بالصدفة المحضة على كلام لأحد كبار علماء الفلك الفرنسيين. وفيه يقول بأن الشمس سوف تنطفئ بعد خمسة مليارات عام أو ربما سبعة مليارات، لم أعد أتذكر بالضبط. وبالطبع فالحياة سوف تتوقف فورا على سطح الأرض وستموت البشرية جمعاء دفعة واحدة. والسلام عليكم. انتهت الحفلة.. ما إن قرأت الخبر حتى غطست في كآبة لا توصف وركبني هم وغم. بل واعتقدت أني سأموت على الفور. وفجأة استيقظت من غيبوبتي لكي أتساءل: يا هذا ما علاقتك بالموضوع؟ هل تعرف ما معنى خمسة مليارات من السنوات؟ هذه ليست ألف سنة أو عشرة آلاف سنة أو حتى مليون سنة، ولا حتى مائة مليون سنة.

على نفسها جنت براقش!

هذا ما يقوله خبراء الغرب الذين لا يكنون لإسرائيل إلا المودة والمحبة، بل والحريصون عليها أكثر منها. إنهم يعتقدون أن السياسات الطائشة لقادة اليمين الإسرائيلي لن تؤدي إلا إلى الجدار المسدود، بل وسترتد عكسا عليهم في نهاية المطاف. أذكر من بينهم رينو جيرار المحلل الاستراتيجي والخبير في شؤون المنطقة العربية، وهو من الأصوات العقلانية المسؤولة في فرنسا، بالإضافة إلى كونه المراسل الاستراتيجي العالمي لجريدة «الفيغارو»، أقدم الجرائد الفرنسية وأعرقها.