خليل رشاد
كاتب ومحلل سياسي مصري
TT

متحدون ضد العنف باسم الدين

في ظل عالمنا الحاضر القائم على الشبكات الموسعة، أصبحت رسائل الكراهية تنتشر عبر العالم في ثوان معدودة. لذا، فإن هناك حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لنشر الحوار بالسرعة نفسها بين أعداد أكبر بكثير من الأفراد، خاصة القيادات الدينية.
في هذا الصدد، نظم مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات - المعروف اختصارا باسم «كايسيد» - مؤتمرا ناجحا بعنوان «متحدون ضد العنف باسم الدين». وركز المؤتمر الذي انعقد في فيينا خلال 18 و19 نوفمبر (تشرين الثاني) على الكوارث الراهنة في العراق وسوريا، وشارك فيه بعض أبرز القيادات الدينية والمفكرين والصحافيين. وكانت فرصة رائعة لي كي ألتقي هذه الشخصيات وأستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم. وأود أن أتشارك معكم الآن في بعض الأفكار الحيوية والحساسة التي سمعتها خلال المؤتمر، بحيث يمكنكم إمعان النظر فيها.
1. قال بطريرك المسيحيين الأرثوذكس بلبنان: «بقلبي جزءان، أولهما مسيحي والثاني مسلم؛ لذا فإنك كمسلم ينبغي أن تحمل جزءا مسيحيا بقلبك!». كانت تلك فكرة ذكية وجديدة من نوعها. ولا ننسى أنه تبعا لما ورد بالقرآن الكريم، فإن جوهر جميع الديانات الإبراهيمية واحد، علاوة على أن الإيمان بالله واليوم الآخر يشكل الأرضية المشتركة بين هذه الديانات. وقد ركز البطريرك على نقطة بالغة الأهمية وهي أن المسيحية هي دين المحبة والإسلام هو دين الرحمة، إذن لماذا تلك الكوارث المشتعلة بين الجانبين في العراق وسوريا؟
2. ركز ممثل الإيزيديين على نقطة جديدة أثارت اهتمامي بشدة، حيث أخبرنا أن النقطة المحورية في الديانة الإيزيدية (إزاد تعني الرب) هي الإيمان بقيمة الإنسان، بمعنى أنه ينبغي تسخير كل شيء لخدمة البشر. وقال: «الإنسانية هي فقهنا!».
وأشار إلى أن قرابة 5 آلاف سيدة إيزيدية شردن من منازلهن على أيدي مسلحي «داعش»، وبيع بعضهن إماء بالأسواق. وأضاف بصوت متهدج: «إنهن أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا».
في الواقع، يعجز المرء عن تخيل كيفية الإتيان بمثل هذه الأعمال الهمجية وعديمة الإنسانية باسم الإسلام والخلافة الإسلامية. كيف يبرر أولئك الناس أفعالهم وتصرفاتهم؟
3. خلال جلسة خاصة مع أعضاء مجلس الإدارة والأمين العام فيصل بن معمر، أخبرنا أحد القادة الدينيين الأكراد أن هناك بعض الإشكاليات في نصوصنا الدينية وتفسيراتها. وكان محقا تماما. ومن دون إعادة النظر وتقييم النصوص بناء على القيم الإنسانية، ستستمر الكوارث حاملة كل مرة اسما جديدا. وبينما تتبدل الأسماء، تبقى الفكرة الرئيسة كما هي ويظل التاريخ يكرر نفسه.
4. شدد البيان الصادر عن المؤتمر في فيينا على نقطة بالغة الأهمية: «نجتمع معا للإنصات لبعضنا البعض، ولنفكر معا بشأن إمكانات التعاون لإحداث تحول في الأزمة. ومن خلال الحوار وتعزيز قيم المواطنة، يمكن أن تنفتح نوافذ الأمل والتطلع للمستقبل. يجب أن ننسف عوائق الخوف والحقد والظلم التي تفرق الناس، وتقضي على أحلامنا وآمالنا في السلام».
والتساؤل الأكبر الذي يفرض نفسه هنا: كيف نجح «داعش» في اكتساب هذه القوة المالية الضخمة؟ وكيف بمقدوره بيع النفط في السوق السوداء في تركيا؟ وهل ظهر التنظيم كجماعة مستقلة تماما؟
في الحقيقة، يتحتم على الدول والأطراف الفاعلة التي تورطت في صياغة هذا الوضع تحمل مسؤوليتها والتفكير في الدور الذي لعبته في تشكيل «داعش».
ولا أسعى من وراء هذا القول إلى إلقاء اللوم على أحد، بل على العكس، ما أسعى وراءه هو تعاون جميع الأطراف المعنية لإيجاد مخرج من هذا الموقف.
وكثيرا ما يقال: «رب ضارة نافعة!».. بيد أن هذا ينطبق فقط على المدى القصير، فمثلا في بداية احتلال الموصل تحركت الحكومة الإقليمية الكردية بناء على حسابات خاطئة، هيأت لها أن هذه فرصة ذهبية للسيطرة على كركوك. إلا أنها سرعان ما أدركت أن «داعش» يسعى لاحتلال جميع المدن الكردية، بمعنى أن من يظنون أن باستطاعتهم تبرير استراتيجية خاطئة اعتمادا على هدف صائب أو يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة، سيجدون نهاية المطاف أنه من المستحيل الوصول للهدف المنشود، فليس بالإمكان الوصول إلى الوجهة المنشودة باستخدام سيارة معطلة. إننا بحاجة للتناغم بين 3 عناصر بالغة الأهمية: الوجهة المنشودة أو الهدف، والطريق أو الاستراتيجية، والأداة أو التكتيك.
5. أعتقد أن المواطنة هي القضية الجوهرية في منطقتنا، فالمواطنة أهم من العرق والقبيلة والآيديولوجية، والإنسانية أهم من المواطنة. إذا اعتبرنا الآيديولوجية أهم من المواطنة، فسنواجه مشكلات، وسنوفر أرضا خصبة لآخرين للترويج لرغباتهم.
وخلال لقاء مثمر للغاية مع كاردينال شونبرن في 20 نوفمبر في فيينا، ذكر أن قرابة 320 نمساويا يقاتلون في صفوف «داعش». كيف يمكن تفسير هذا؟ إنهم يعتبرون آيديولوجيتهم أهم من أي شيء آخر، بما في ذلك مواطنتهم.
من جانبي، أعتقد أن غياب عنصرين جوهريين أسفر عن هذا الوضع: غياب الحكمة وغياب المعرفة. عندما أخبر الله القدير سليمان بأن باستطاعته طلب أي شيء وسوف يناله، طلب سليمان الحكمة والمعرفة. الحكمة هي الحبل الرابط بين الرب وبيننا، وهي الجسر الروحاني الذي يقودنا للكمال. أما المعرفة فهي تحقق أفعالنا وأفكارنا. وتمثل الحكمة والمعرفة وجهين لعملة واحدة. ومثلما يقول القرآن: «ليس للإنسان إلا ما سعى».
وبناء على الحكمة، باستطاعتنا أن نبقى معا، فنحن جميعا ركاب على متن السفينة ذاتها ونقصد الوجهة ذاتها. لذا علينا العيش معا وتقبل بعضنا البعض بجميع معتقداتنا ودياناتنا، ومن لا يدينون بأي دين. ينبغي أن نحشد قوانا ضد العنف والكراهية. وينبغي أن نتحدث لأطفالنا حول أن جوهر جميع الأديان هو الصداقة والحب.