سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

البحرين.. سقوط خرافة الأغلبية

أما وقد شارك البحرينيون بكثافة في انتخاباتهم البرلمانية، وبنسبة بلغت 51 في المائة من المسجلين على القوائم الانتخابية، على الرغم من كل دعوات المقاطعة التي دعت لها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، المكون الرئيسي للمعارضة الشيعية في البحرين، وعلى الرغم من كل دعوات ترهيب الفتاوى الدينية، فقد أسقطت هذه الانتخابات واحدة من الخرافات التي ترددت على الأسماع طويلا، وطربت لها الحكومات الغربية كثيرا، ورقصت على وقعها المنظمات الدولية أعواما، فالبحرينيون، سنتهم وشيعتهم، أثبتوا أنهم رقم صعب لا تتحكم فيهم «الوفاق» ولا غيرها، فرفعوا الصوت عاليا بمشاركتهم المكثفة والعالية، مقارنة بالانتخابات السابقة التي شاركت فيها «الوفاق»، وكانت نسبة المشاركة بها 67 في المائة.
ماذا يعني سقوط خرافة الأغلبية التي تتذرع بها جمعية الوفاق سنين طويلة؟ يعني أن هذه الجمعية ستتحدث، أو هكذا نتوقع، من الآن فصاعدا، بلسان منتسبيها وأعضائها ومؤيديها، ولا يفترض بها أن تتحدث بالمطلق نيابة عن شعب البحرين، بل لا يجوز لها حتى الحديث عن شيعة البحرين جميعا، الذين صوَّت جزء لا يستهان به في هذه الانتخابات، بالطبع من حق «الوفاق» أن تستمر في موقفها المتصلب ضد أي حلول توافقية تنهي الأزمة السياسية في البحرين، ومن حقها المراهنة على وتر الظروف الإقليمية وربطها بالمكاسب المتحققة في الداخل البحريني، وكذلك من حقها التمسك بشروطها التعجيزية للمشاركة السياسية، لكن ليس من حقها أبدا من اليوم فصاعدا، الحديث عن شعب البحرين وحقوقه ومطالبه وهمومه، فهذه الخرافة سقطت، وآن الأوان للبحث عن خرافة بديلة تروج لها في الخارج، وتعيش على وقعها في الداخل ردحا آخر من الزمن.
يحسب للبحرينيين أنهم انتصروا للديمقراطية، وأظهروا تصميما لمواصلة مسيرة الإصلاحات السياسية في بلادهم. كان بالإمكان الانجرار خلف دعوات المقاطعة، لكن ما الذي ستفرزه سوى تعطيل لديمقراطية مرتفعة نسبيا، مقارنة بدول المنطقة والإقليم؟
الديمقراطية ليست روشتة توصف من صيدليات المنظمات الدولية، وتطبق بنفس المعايير على كل الدول صغيرها وكبيرها، من تقع ضمن الدول الاسكندنافية، وأخرى تقبع في أدغال أفريقيا.
الديمقراطية مسار تصاعدي يخرج من رحم المجتمع ولا يشذ عن طبيعته. ألا تتفوق الديمقراطية في النرويج والسويد عنها في الولايات المتحدة الأميركية؟ هل تتساوى الديمقراطية الألمانية، مثلا، مع الديمقراطية في تركيا؟ حتى مساحة الحرية والتعبير تختلف بين الدول الغربية نفسها؛ ها هي بلجيكا تقرر سحب الجنسية من كل من ينضم لجماعات مقاتلة في الخارج. هل ترون هذا القرار طبيعيا في المجتمعات الديمقراطية التي تزعم تقديس الحريات الشخصية؟! بالتأكيد، هناك اختلاف وجدل، إلا أنه في النهاية نابع من مجتمع يريد أن يكيف الديمقراطية لتحمي مواطنيه، وليس استخدامها كوسيلة تعرضهم للخطر.
قارن الدكتور باقر النجار في هذه الصحيفة، أمس، بين خطايا المعارضة الأردنية والكويتية في مقاطعة برلمان بلادهم، ومآل المعارضة الشيعية البحرينية من هذه المقاطعة، وكذلك فعل الأستاذ سمير عطا الله، عندما وصف مقاطعة الانتخابات في البحرين بأنها أكثر من إضاعة للوقت، وأنها «افتراء»، وها هم المواطنون البحرينيون يعلنون عن موقفهم بأنهم مع تطوير تجربتهم الديمقراطية، وليس مع نسفها وهدمها، كما تريد «الوفاق» وأخواتها.
السؤال: هل تقتنع «الوفاق» أخيرا بأن زمن الأساطير انتهى، وآخر هذه الأساطير أنها تمثل غالبية البحرينيين؟!