خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ضربة الضريبة

هناك ميل في سائر الدول للجوء للضرائب ليس لمجرد توفير واردات للخزينة العامة وتغطية نفقات الحكومة، وإنما كذلك لإصلاح المجتمع ومعالجة بعض عيوبه؛ من ذلك الضرائب العالية المفروضة على الدخان والكحول لردع الناس عن تناولهما. واستعملت في العصر الحديث لتحقيق شيء من العدالة الاجتماعية بزيادة ضريبة الدخل والإرث على الأغنياء وخفضها على الفقراء. وشاعت مؤخرا ضريبة القيمة المضافة التي تعطي واردا جيدا للخزانة، وبعين الوقت تحد من الروح الاستهلاكية للمواطنين.
اعتمد الاشتراكيون بصورة خاصة على سلاح الضرائب في تقليص البون بين المترفين والمحرومين. وجاء في هذا الاتجاه كتاب العالم الاقتصادي الفرنسي بكيتي الشهير عن رأس المال. رأى أن البون بين الأغنياء والفقراء آخذ في الاتساع على نطاق عالمي. ولكنه لم يذهب مذهب الماركسيين في ضرورة تأميم الثروات ومصادرتها وحصرها بيد الدولة، بل اقترح استعمال سلاح الضرائب التصاعدية لا على الدخل فقط، بل وعلى رأس المال نفسه.
ولكن تفرعت عن هذا التنظير الضريبي شتى الاقتراحات الظريفة؛ منها ما أوصت به الكاتبة روزامند أروين. قالت يجب أن تكون هناك ضريبة على السمنة والبدانة، لا لمجرد حمل الجمهور على تحاشي الإفراط في الأكل والشرب، وإنما لأن البدانة تكلف الدولة كثيرا؛ فالإفراط في الأكل يؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك واستيراد المواد الغذائية. فضلا عن ذلك، فالبدانة تؤدي إلى شتى الأمراض والعلل بما يضع تبعات كبيرة على الخدمات الصحية والاجتماعية. وهذا يتطلب المزيد من النفقات التي يتحمل أعباءها المواطن النحيف البريء منها. ولكن كيف سيجري حساب هذه الضريبة، ضريبة السمنة؟ أسيكون على كل مواطن أن يذهب في رأس السنة المالية لدائرة الضرائب ليزنوه ويقدروا مقدار الضريبة التي يقتضي عليه دفعها؟ ماذا إذا استطاع خفض وزنه بعد بضعة أشهر؟ أسيكون له الحق في أن يعرض نفسه ثانية للموظف المسؤول ليضعه في الميزان ويحسب؟
الواقع أن هذا ما اقترحه خبير آخر. قال يجب أن نكافئ من يستطيع تحسين صحته بما يؤدي لتقليل زياراته للطبيب والمستشفيات، ويكون ذلك بتخفيض وزنه وانقطاعه عن التدخين وقيامه بالتمارين الرياضية والسير على قدميه بدلا من ركوب السيارة. يثبت كل ذلك لمفتش الضريبة فيكافئه بتخفيض ضريبته.
طرحت شتى الاقتراحات الضريبية النوعية. فلما كان استهلاك السكر والحلويات من أهم المسيئات للصحة فقد اقترح فرض ضرائب خاصة على السكر والسكريات. ولما كان المعتقد أن السمنة تبدأ من الطفولة، فقد اقترح آخرون فرض ضريبة على الآيس كريم والشوكولاته ونحوها من المواد التي يدمن عليها الأطفال.
أكتب عن كل ذلك لأنها أمور تهمني شخصيا. فأنا ممن يعتنون بصحتهم وأستعمل الدراجة الهوائية بدلا من السيارة حيثما أمكنني، وأميل للأكل النباتي بعيدا عن اللحوم. ولهذا فقلما أزعج الطبيب في شيء. وأعتقد لهذا السبب أن من الظلم أن أتحمل تكاليف من يسيء لصحته وأدفع عنه وبسببه ضريبة عالية للاعتناء به وتطبيبه. لماذا يقتضي علي كرجل نحيف أن أدفع عن أدوية آخر سمين؟