سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

صحافة الكبار: عزل وتخوين

عندما تقدمت بي السن وتقدم النضج على الهوى، تمنيت لو أنني تقبلت، أو سعيت، إلى صداقات جميع الكبار، لكن غرور «المدرسة الصحافية اللبنانية» جعلني لا أهتم كما يجب بصداقة علي أمين، والتخوّف من العِقَد جعلني أتجنب مصطفى أمين الإنسان برغم ما أظهره من تقرب ومودة حين التقينا معا في «الشرق الأوسط»، وقد رويت غير مرة أنني لم أقبل مديرية تحريري «الأنباء» إلا بوقف مصطفى أمين ومايلز كوبلاند عن الكتابة فيها، وقد ندمت على موقفي من مصطفى، ولا أزال.
في قمة الدار البيضاء، 1988 أو 99، كانت «الشرق الأوسط» تنشر رسائلي في العنوان الأول، وكانت مصر لا تزال جديدة على العودة إلى العرب، الذين صدقوا أنفسهم أنهم أكثر عروبة من القاهرة. وهكذا، رحت أتجنب لقاء الوفد الصحافي المصري. وذات مرة، وجدت نفسي في القاعة أمام موسى صبري الذي تقدم مني، فتظاهرت بأنني لم أعرفه، وقال لي الرجل بكل أدب وتواضع: «إنك لا تكتب عن ريّسنا»، قلت له ببلاهة «ومن رئيسكم»؟ بكل أدب أجاب: «الرئيس مبارك».
لم يجتمع غباء إلى تذاكٍ كما حدث يومها، ولكن، لم يكن ممكنا الخروج يومها عن الموقف العربي العام، والموقف العربي العام كان مغفّلا يعزل مصر بدل أن يحتضنها، ويطردها بدل أن يحاول استعادتها، ولا يتوقف لحظة ليفكر في أنه إذا فقد مصر فقد توازنه واختلت مكانته.
ارتبط اسم أنيس منصور بالعداء لعبد الناصر، كما ربط هو اسمه بالرسائل التي حملها السادات إلى إسرائيل، وكتب هو عن هذه المسائل وكأنه يكتب عن رسائل حملها إلى العواصم العربية، نفَر من مواقفه وأسلوبه كثيرون، أما هو فظل مقتنعا حتى غيابه، بأنه – مثل السادات – كان في خدمة مصر، وكان من المقتنعين، بأن مصر لن تحصل بالحرب على شيء ولن تقوى على مكامن الضعف إلاّ بقبول موازين القوى. مصر أولا، مصر أخيرا، ولن يعلّمنا أحد كيف نكون مصريين أو عربا. نحن من حارب، ونحن من هزم، ونحن من ربح، ونحن من عانى. صحيح أن 5 يونيو (حزيران) إهانة كبرى، لكن الإهانة الأكبر كانت عندما طَرَدَنا العربُ، وأصغر تهمة وجهت إلينا هي الخيانة. وقد صور الغرب جزمات الجنود المصريين متروكة في سيناء، لكن العرب ملأوا الدنيا كتابات على جدران الأمة بتخاذل الجيش وعباطة العسكريين، وأخيرا، بالخيانة الكبرى.
إلى اللقاء..