زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

نفرتاري.. أجمل ملكة في التاريخ

نفرتاري ملكة مصرية أصيلة، يعني اسمها «أحلاهم أو أجملهم»، ولا يزال اسم «حلاوتهم»، وهو ما يترجم بالمصرية القديمة إلى نفرتاري، مستعملا إلى يومنا هذا في الريف المصري، ونفرتاري هي زوجة الفرعون رمسيس الثاني - أحد أعظم الفراعنة المحاربين في التاريخ القديم - وقد تمتعت نفرتاري بمكانة رفيعة مميزة ليس فقط أثناء حياتها، ولكن أيضا بعد مماتها وحتى الآن! لعدة أسباب: السبب الأول لهذه المكانة الفريدة هو جمال الملكة وأناقتها.. فمن خلال كل ما تبقى من آثار ومناظر وتماثيل للملكة، نراها طويلة ورشيقة وملامح وجهها لا يقال عنها سوى إنها آية في الجمال، أما عن أناقة الملكة، فملابسها وزينتها لا تزال تبهر أعظم مصممي الأزياء في العالم. أما السبب الثاني فهو الألقاب الكثيرة التي حملتها الملكة في حياتها، ومنها: «الزوجة الملكية العظمى»، «سيدة الأرضين»، «ربة مصر العليا والسفلى»، «مليحة الوجه»، «الجميلة ذات الريشتين»، السبب الثالث والأهم هو مقبرة الملكة التي تعد آية من آيات فن الرسم في العالم القديم.. هي أجمل مقبرة يتم الكشف عنها لملكة مصرية، مر على اكتشافها 110 سنة منذ أن كشف عنها عالم المصريات سيكيابارللي في 1904 في وادى الملكات بالبر الغربي للأقصر. وتحتفل مصر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم بالذكرى الـ110 على اكتشاف مقبرة نفرتاري.
وفي الأسبوع الماضي حضرت إلى مكتبي كاتبة أميركية لتجري معي حوارا، وفوجئت بها تخبرني أنها جاءت إلى مصر خصيصا لزيارة مقبرة نفرتاري، ودفعت الرسوم الباهظة للزيارة الخاصة للمقبرة، نظرا لأنها تُفتح فقط للزيارات الخاصة ولأعداد قليلة للحفاظ علي المقبرة، وبدأت السيدة تصف لي شعورها وهي ترى مناظر الملكة البديعة المصورة على الجدران والألوان الزاهية التي لا يمكن تخيل أن عمرها أكثر من 3 آلاف سنة.. وهنا بدأت دموع السيدة تنهمر تأثرا بجمال نفرتاري وملابسها وزينتها.
ورغم الألقاب العريضة والمقبرة الملكية التي لا مثيل لها في أي حضارة أخرى، فإن ما نعرفه عن أصل الملكة لا يعد بالكثير، وتتأرجح الآراء بين كون نفرتاري ابنة للفرعون «أي»، الذي حكم بعد وفاة الفرعون الذهبي «توت عنخ أمون»؛ والدليل الوحيد على ذلك هو العثور على اسم «أي» في مقبرة الملكة، كما تشير أدلة أخرى على كونها ابنة الفرعون سيتي الأول.
هذا بالإضافة إلى معرفتنا بمشاركتها زوجها الفرعون «رمسيس الثاني» في الحقبة الأولى من حكمه الطويل الممتد؛ سواء في المناسبات الرسمية، أو حضور المقابلات مع كبار الموظفين ورجال الدولة، أو تكريمهم.
وقد تزوج «رمسيس الثاني» من تلك الفتاة المتألقة في العام الأول من حكمه وعاش معها أشهر الشتاء تحت دفء شمس طيبة (الأقصر)، وذلك قبل الانتقال إلى العاصمة الجديدة التي أُنشئت في عصر الرعامسة بشرق الدلتا، وأطلق عليها في العالم القديم اسم «مدينة الضوضاء»، ومن المؤكد أنها كانت مدينة ذات شهرة عالمية لشهرة «رمسيس الثاني»، والمؤكد أيضا أن نفرتاري كانت سيدة رزينة، استطاعت أن تنأى بنفسها وبمكانتها بعيدا عن التنافس الهائل بين حريم الفرعون؛ وزوجاته الثانويات.
ولم يحدث أن بنى فرعون من قبل معبدا لزوجته غير «رمسيس الثاني»؛ حيث يعد معبدها المجاور لمعبد زوجها في أبو سمبل من معجزات فن العمارة في مصر القديمة، وقد نحت بالكامل في صخر جبل أبو سمبل.
وبعد مرور 24 عاما من بناء المعبد للملكة «نفرتاري» يختفي اسمها من الأحداث التاريخية، بما يؤكد وفاتها. ستظل نفرتاري نموذجا للجمال والذكاء.. كانت تعرف قدرها ومسؤوليتها تجاه زوجها وبلدها مصر.