سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

شيء ينقص فلسطين!

أشياء كثيرة لا بد أن تستوقفك في كلمة الرئيس محمود عباس، أمام مؤتمر إعادة إعمار غزة، الذي انعقد مؤخرا بالقاهرة، غير أن شيئين على وجه التحديد في كلامه، لا بد أن يكونا في بؤرة الضوء أمامك!
أما الشيء الأول فهو الطريقة التي استعرض بها أبو مازن، أشكال الدمار الذي ألحقه الإسرائيليون بقطاع غزة، خلال عدوانهم الأخير عليه، بامتداد 51 يوما.. فعندما يقول الرئيس الفلسطيني، إن عدد شهداء القطاع قد بلغ 2140 شهيدا، فليس لهذا من معنى، سوى أن الذين قالوا بانتصار حركة حماس في الحرب، إنما هم مخرفون!
هم مخرفون، لأنه حين يكون شهداء أبناء القطاع بهذا الرقم، في مقابل بضع عشرات على الجانب الإسرائيلي، يصبح القول بانتصار الحركة، نوعا من استمراء الضحك على النفس، أكثر منه ضحكا على الغير، ويصبح مثل هذا القول، على جانب آخر منه، رغبة في رؤية الواقع البائس الذي يعيشه القطاع، على نحو ما تحب حماس، وترغب، وليس على نحو ما هو قائم فعلا كواقع حي على الأرض!
تلك واحدة.. والثانية أن الرئيس عباس قد راح في مقطع من كلمته، يتساءل في ألم بدا أنه يوجعه، عن الشيء الذي ينقص أبناء وطنه، لتكون لهم دولة على أرضهم مثل باقي خلق الله؟!.. تساءل الرئيس، وكله حزن عن السبب الذي يجعل فلسطين، هي الدولة الوحيدة الباقية تحت الاحتلال في عالمنا المعاصر بكل أركانه.. ثم تساءل مكررا الكلام، عن الشيء الذي ينقص الفلسطينيين، بالضبط، ليحرمهم من حق أن تكون لهم دولة على أرض هي لهم، ولم يأخذوها غصبا من آخرين؟!
بدوري، تساءلت بيني وبين نفسي، وأنا أسمع كلمة الرجل، ثم بعدها، عن ذلك الشيء الذي ظل هو، طوال كلمته، يتساءل عنه، ويتمنى أن يعرفه!
تساءلت من جانبي، وسألت نفسي، عما إذا كان ينقصهم، مثلا، أن يوجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، نداء صادقا خلال كلمته التي سبقت كلمة الرئيس عباس، إلى الإسرائيليين، حكومة وشعبا، بأنه قد آن الأوان، لأن يوضع حد لهذا الصراع، وأن تكون لهذه المهزلة نهاية، وأن تكون لأبناء فلسطين دولة على أرضهم؟!
تساءلت.. هل ينقصهم هذا؟! ثم أجبت نفسي، بأن الإجابة سوف تكون بـ«لا».. ليس لأن شيئا يعيب نداء الرئيس السيسي، وإنما لأن هناك شيئا مهما، بل جوهريا، ينقص الفلسطينيين، ولا سبيل إلى دولة لهم، على أرض أجدادهم، دون أن يكون هذا الشيء الذي سوف أشير إليه حالا، حاضرا لديهم، وبقوة!
ثم حدث أن تساءلت، بعدها بأيام، عما إذا كان ينقصهم أن يصدّق مجلس العموم البريطاني بأغلبية ساحقة، على قرار يطالب حكومة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، بالاعتراف بفلسطين؟!.. هل ينقصهم أن يحظى القرار داخل مجلس العموم بأغلبية 274 عضوا، ضد 12 فقط رفضوه؟!
وهل ينقصهم أن يصرح نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، بعد التصويت على القرار، بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وأنها تعزز فرص السلام؟!
مرة أخرى، كان الجواب عن كل هذه التساؤلات، بيني وبين نفسي، هو بـ«لا» لأنهم لا ينقصهم هذا أبدا، أيا كان عدد المؤيدين على القرار البريطاني بالتصويت، وأيا كانت القيمة الرمزية لهذا التصويت في حد ذاته.
ولنلاحظ هنا، أن الرئيس السيسي، وهو يوجه نداءه لإسرائيل، ليس صاحب القضية، وإنما هو في غاية المطاف مساند لها، بكل قوته، ومن ورائه كل مصري يعرف حجم المعاناة التي يعيشها أبناء فلسطين، ويعرف كذلك، أن انحياز القاهرة، إلى القضية الفلسطينية عبر تاريخها الممتد، ليس اختيارا، وأنه انحياز تفرضه الطبيعة، ويفرضه التاريخ وتفرضه الجغرافيا، وبالإجمال هو انحياز تفرضه طبائع الأمور، وليس مصنوعا، ولا يمكن أن يكون، بأي معيار.
وبالتوازي، فإن مجلس العموم البريطاني، بأغلبيته الساحقة، إلى جوار دولة أبناء فلسطين، ليس في النهاية صاحب القضية، وإنما هو متعاطف معها، وراغب في مساعدة أصحابها الأصلاء، وأبنائها، رمزيا على الأقل، فهذا ما يقول به التصويت على القرار، من حيث توقيته، ومن حيث عدد المؤيدين فيه، في اتجاه الاعتراف بدولة فلسطين.
إذن.. ماذا ينقص الفلسطينيين على وجه التحديد، إذا كانوا لا ينقصهم هذا النداء، من الرئيس السيسي، ولا ذاك الاعتراف من مجلس العموم البريطاني؟!
ينقصهم، في ظني، أن يدركوا تمام الإدراك، أنهم هم أصحاب القضية، وأنهم هم، لا غيرهم، الذين سوف يقيمون دولتهم على أرضهم.. وأكاد أضع «هُم» هذه، بين مائة قوس، لعل قارئها ينتبه لمعناها المراد هنا.
ينقصهم أن تدرك حركة حماس، أن دولة فلسطينية لن تقوم، ما دامت هناك حكومتان لفلسطين؛ واحدة في رام الله، وأخرى في غزة.. لا.. لن تقوم دولة، إذا دام الوضع هكذا، ولو ناضل الفلسطينيون ألف عام!
ينقصهم أن تكون حماس صادقة حقا، في الانضمام إلى حكومة الوفاق الوطني، وأن تخضع لها، ولقراراتها، خضوع أبناء الضفة سواء بسواء.
ينقصهم سيدي الرئيس عباس، أن يجري هذا الإدراك، في وجدانهم، مجرى الدم في شرايينهم، لأنه لن يحرر فلسطين، إلا أبناء فلسطين، أيا كان حجم الدعم الذي يمكن أن يأتيهم من أي جانب.. ينقصهم أن تكون حماس فلسطينية، لا إخوانية!