نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الضمير المعلن لإسرائيل

بوغي يعلون، وزير الدفاع في إسرائيل، والشريك غير المنافس لبنيامين نتنياهو في الحكومة الائتلافية الراهنة، وضع النقاط على الحروف، بصورة كافية لتوضيح عناوين ومضامين السياسة الإسرائيلية الراهنة تجاه الفلسطينيين بوجه خاص، فلقد أفصح عن استحالة موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطينية حقيقية، مؤكدا أن أقصى ما يمكن أن يحصلوا عليه من إسرائيل، هو حكم ذاتي.
وقد تكرم على الفلسطينيين بمنحهم حق اختيار اسم فخيم للحكم الذاتي، يبدأ من دولة وينتهي إلى إمبراطورية.
وفيما يخص غزة فقد أفصح يعلون، وهو المسؤول التنفيذي المباشر عن كل ما يتصل بقطاع غزة، بأن إسرائيل ترهن وبصورة مطلقة تعاونها في أمر إعادة الإعمار، ليس فقط بمقايضة الإسمنت والحديد بالسكون الدائم على جبهة غزة، بل بما هو أبعد من ذلك أي خلق واقع يسمح لإسرائيل بمراقبة أدق التفاصيل المتعلقة بتسلح حماس وترميم الأنفاق وعدم تفعيل أي جانب من جوانب البنية التحتية العسكرية لفصائل المقاومة جميعا.
ومع أن أقوال يعلون هذه لا تنطوي على جديد أو مفاجئ، إلا أنها تقيم سدا مسبقا ومتجددا أمام أي محاولة أميركية وأوروبية ودولية تضغط باتجاه عودة المفاوضات أو فتح المسار السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جديد، وهذا ما يحلم به السيد كيري ويؤيده فيه بالسر والعلن جميع دول العالم بلا استثناء.
ولقد تم تضخيم أقوال يعلون إسرائيليا، وخصوصا وهو يقوم بزيارة نوعية للولايات المتحدة هدفها الأول فرملة اندفاع الوزير كيري الذي لا يكف عن التبشير بأفكار جديدة يعدها لإغراء الفلسطينيين على العودة لطاولة المفاوضات بديلا عن إحراج أميركا باستخدام الفيتو حين يواصل الفلسطينيون سعيهم نحو مجلس الأمن، ووفق الطريقة الإسرائيلية في العمل مع الأميركيين فإن يعلون الذي جامل الحلفاء في واشنطن باستنكار الإهانات المقصودة التي وجهها عدد من وزراء اليمين لكيري وللإدارة الديمقراطية في واشنطن فقد خاطب باللغة والمضمون المناسبين ضاغطا وبصورة مباشرة على الديمقراطيين المتجهين إلى الانتخابات النصفية للكونغرس مقيما المزاد التقليدي بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمر من يقدم لإسرائيل أكثر من الآخر.
وهنا يجدر بنا طرح سؤال ضروري وموضوعي: هل يعلون - نتنياهو يغردان خارج السرب الدولي الذي يريد تسوية معقولة للمسألة الفلسطينية أم أنهما يعتصران هذه الرغبة الدولية حتى القطرة الأخيرة مستغلين الفيتو المزدوج الذي تتمتع فيه أميركا في مجلس الأمن والذي يقيم سدا هائلا يحول دون تحقيق الرغبة الدولية، والفيتو الثاني الأخطر والأفعل وهو قدرة إسرائيل على إعاقة أي جهد يبذل على أرض الأزمة وتقويض هذا الجهد باستخدام حتمية المرور منها إلى إعادة إعمار غزة وحتمية موافقتها على أي ترتيبات تتعلق بالضفة، ليس ذلك فقط، وإنما تفعل على الأرض ما هو أخطر والأولوية في هذه الأيام لمدينة القدس التي تتسارع عمليات ابتلاعها تمهيدا لإخراجها فعليا من أي مساومات محتملة حتى لو كانت فرص هذه المساومات ضئيلة للغاية.
هكذا ينبغي أن تُفهم أقوال يعلون ودعم نتنياهو المطلق لها.
وعليه، فإن على المعنيين بأمر السلام والتسوية وإعادة إعمار غزة أن يبنوا سياساتهم ومبادراتهم على هذا الأساس، فإما أن يتكيفوا معه، وهذا تطور كارثي لو حدث، وإما أن يطوروا مواقف وإجراءات ترغم إسرائيل على إعادة النظر في سياستها غير المنطقية، ولكي لا يكون ما أقول مجرد أمنيات فإن تطوير الموقف الأوروبي مثلا من السلع المنتجة في المستوطنات ليتجاوز إلى إجراءات أكثر فاعلية بشأن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية كلها مع تصعيد في الانتقادات الأوروبية للسياسة الإسرائيلية المغلقة ضد مبدأ السلام والاستقرار في الشرق الأوسط مع تظهير الرغبة الأوروبية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بصورة أكثر وضوحا مما تم حتى الآن. إن ذلك يشكل عامل ضغط فعالا على إسرائيل، بل إنه يزود القوى المعتدلة بذخيرة معقولة لرفع صوتها، وتطوير فاعليتها التي تراجعت كثيرا في الفترة الأخيرة وبات ضروريا دعمها وإنعاشها.
صحيح أن الولايات المتحدة تخاف إسرائيل نظرا لتغلغلها التفصيلي في المؤسسات الرئيسية الأميركية، ونظرا كذلك لإجادتها اللعب على الديمقراطيين والجمهوريين، وهذا أمر لا ينسحب تماما على أوروبا المتحررة أكثر من التخريب الإسرائيلي في داخلها، بل بوسع أميركا أن تستفيد من الحالة الأوروبية إن أرادت.