د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

تقييم الجدوى العلاجية لتناول الأدوية

يشتمل تقييم الجدوى العلاجية أو الوسيلة التشخيصية على عناصر متعددة، كل منها مهم في تقرير نتيجة بسيطة تعطي الإجابة على سؤال بسيط في تركيب كلمات إجابته المختصرة، ومعقد جدا في تفصيل تلك الإجابة، وهو السؤال الذي يقول: هل استخدام هذه الوسيلة العلاجية أو هذه الوسيلة التشخيصية «مفيد» أم لا؟ وكل وسيلة علاجية أو تشخيصية تخضع لهذا السؤال، مثل: هل الأسبرين مفيد لمرضى شرايين القلب؟ هل تناول أدوية خفض الكولسترول مفيد لهم؟ هل زراعة الكلى مفيدة لمرضى الفشل الكلوي؟ هل إجراء منظار المعدة مفيد لمن يشكون من آلام فيها؟ هل تصوير الدماغ مفيد في حالات الجلطة الدماغية؟ وهكذا.
الأساس في الوصول إلى هذه النتيجة التي تهم المريض والطبيب هو تقييم الجدوى، والذي يجدر أن يتم وفق نتائج تدعمها الأدلة العلمية، إما بـ«نعم» أو بـ«لا» أو بـ«ربما». وقد يتوقف التقييم في مرحلة بدائية جدا، مثل أن عقار المضاد الحيوي «أموكسيسيلن» لم يثبت أنه يعالج تساقط الشعر. وقد يتطلب تقييم الجدوى إجراء دراسات متقدمة تصل إلى نتيجة أن نسبة من يستفيدون لا تصل إلى حد يفوق نسبة من لا يستفيدون، ثم حتى لو ثبت أن نسبة من يستفيدون أعلى فإنه غير مجد نظرا إما لصعوبات في تلقي المعالجة أو مخاطر من ذلك أو لا يمكن توفيره لكل الناس على نطاق واسع إلا بكلفة تفوق الجدوى منه.
وهناك وسائل تشخيصية دقيقة لكن لا يقال إنها مجدية، لأنه ليس بالإمكان توفير استخدامها لجميع المرضى أو المطلوب إجراء المسح لهم دونما تعريضهم لمخاطر قد لا تفوق جدواها. وعلى سبيل المثال، فإن إجراء قسطرة شرايين القلب وسيلة دقيقة في تشخيصها لوجود أي تضيقات فيها ولكن لا يمكن إجراؤها لكل من يشكون من آلام في الصدر بل يجرى أولا اختبار جهد القلب ثم إذا كانت نتيجته إيجابية تجرى قسطرة شرايين القلب. وهكذا أيضا في الوسائل العلاجية من أدوية أو عمليات جراحية وغيرها من وسائل المعالجة للأمراض المختلفة.
وضمن عدد 8 سبتمبر (أيلول) الحالي من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Internal Medicine، الصادرة عن رابطة الطب الباطني الأميركية، عرض الباحثون من كلية الطب بجامعة ماساتشوستس نتائج دراستهم حول جدوى تلقي المرضى المصابين بحالات متقدمة من الخرف Advanced Dementia للأدوية الموصوفة لهم والمتوفرة بالأسواق الطبية لمعالجة هذه المشكلة لديهم. ولاحظ الباحثون في دراسة المسح الإحصائي القومية لنزلاء دور رعاية التمريض Nursing Home بالولايات المتحدة أن ثمة شكوكا وتساؤلات وجيهة حول جدوى معالجة أكثر من نصف أولئك المرضى بتلك الأدوية وبأنواع أخرى من الأدوية. وعلقت الدكتورة جينفر تجيا، الباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «المخاوف الرئيسة تتمحور حول تدني تقدير وتقييم الأعباء المترتبة على تكاليف تعريض أولئك المرضى لتناول أدوية مشكوك في جدواها العلاجية». وأضافت: «إعطاء عدد من الأدوية لكل واحد من هؤلاء المرضى في كل يوم، وهم الذين يواجهون صعوبات في البلع وفي تناول الطعام، هو أيضا أمر غير مريح لهم، وإضافة إلى هذا فإن إعطاءهم تلك الكمية المتعددة من الأدوية لا يتوافق مع أهداف معالجتهم ورعايتهم، والذي من أهمها توفير الراحة لهم».
واستطردت الباحثة بالقول: «الكثير من نوعيات تلك الأدوية لها مخاطر صحية حقيقة مثل التسبب باضطرابات إيقاع نبض القلب واحتباس البول والغثيان والتسبب بتدني مقدار الوعي». وأعاد الباحثون التذكير بقرار المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة حول العناية الطبية للمرضى الميئوس من شفائهم بسبب تقدم حالاتهم المرضية بضرورة تقليل تعريضهم للأدوية وتقليل تعريضهم لاحتمالات تسببها بآثار سلبية عليهم دونما وجود إثباتات علمية على جدوى تناولهم لها.
وقام الباحثون في دراستهم بتحليل المعلومات المتعلقة بوصفات الأدوية التي تقدم للمرضى في مرافق رعاية التمريض الطويلة الأجل في جميع أنحاء الولايات المتحدة، والبالغ عددهم نحو مليون ونصف المليون مريض خلال عام واحد. وركز الباحثون في مجموعة المرضى الذين تم تشخيصهم بأن لديهم «خرفا متقدما»، ووجدوا أن أكثر من نصفهم تجاوزوا سن 35 من العمر، وغالبيتهم من النساء، وأكثر من ربعهم لديهم مرض السكري، وثلاثة أرباعهم مصابون بارتفاع ضغط الدم، وأكثر من نصفهم يعانون من الاكتئاب. وإضافة إلى ملاحظتهم أن ثمة أدوية تصرف لهم وهم في حالة متقدمة من العمر دونما وجود أدلة تدعم احتمالات استفادتهم منها على المدى البعيد مثل أدوية خفض الكولسترول، لاحظ الباحثون كذلك في مراجعة وتحليل الوصفات الطبية للأدوية لهم أن نحو 55 في المائة تم وصف دواء واحد على الأقل من أدوية معالجة الخرف والاضطرابات النفسية بشكل غير ملائم ودونما داع لمعالجة الخرف المتقدم.
ولاحظ الباحثون أن ثمة تفاوتا في مناطق وصف الأدوية غير المجدية لأولئك المرضى، حيث ترتفع نسبة وصفها لأولئك المرضى في ولايات أميركية وتنخفض في أخرى. وكذلك لاحظوا أن التكلفة المادية لتلك الأدوية الموصوفة لأولئك المرضى دونما جدوى ثابتة، بلغت أكثر من 35 في المائة من التكلفة المادية الإجمالية لمعالجة كل مريض منهم. ونصح الباحثون بضرورة إجراء مزيد من الدراسات لرؤية حجم هذه المشكلة من أجل وضع حلول لوقف استمرار إعطاء هؤلاء المرضى أدوية لا جدوى ترجى من تناولهم لها.
وقال الباحثون ما مفاده إن الفكرة التي يجب أن تكون واضحة للأطباء هي أن الزيادة مثل النقص في شأن وصف الأدوية، وخصوصا تلك التي لم يثبت جدواها، وخصوصا أيضا بالنسبة لأولئك المرضى الذين يجب العمل على تحقيق راحتهم وتقليل تعريضهم للمخاطر.
وعلق البروفسور غريغ ساشس، من كلية الطب بجامعة أنديانا وطبيب الباطنية، بالقول: «نتائج الدراسة مهمة، ونحن نرى مرضى في دور الرعاية التمريضية لديهم قائمة من الأدوية أشبه بقائمة فاتورة مغسلة الملابس، وكلما زاد عدد قائمة أنواع الأدوية التي يتلقاها المريض بشكل منتظم فإن المشكلة ليست مادية فقط بل هي في كيفية ضمان سلامة المريض عند تناوله لأنواعها مع كل احتمالات حصول التفاعلات العكسية والآثار الجانبية وتعارض مكونات تلك الأدوية مع بعضها البعض». وأضاف ما مفاده أنه «من الضروري مراجعة قائمة الأدوية تلك بشكل دوري وتقييم مدى جدوى وصفها لهم وتناولهم إياها لأن حتى نوعيات الأدوية الجيدة التي يتلقاها المريض لسنوات تلو سنوات أخرى طويلة ربما لا تكون ملائمة لحالتهم الحالية».
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]