صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

لا قضاء على «داعش» قبل إسقاط نظام الأسد!

حتى بعد مؤتمر باريس، الذي يبدو أنه حسم أمورا رئيسة كثيرة بعضها كان موضع خلاف ووجهات نظر متضادة، فإن هناك مخاوف لدى الذين يخشون من أن كل هذا الاستنفار الهائل، الذي عنوانه ضرب تنظيم «داعش» والقضاء عليه، قد يكون مجرد فقاعة كبيرة وأن الأميركيين ربما يصوبون فوهات بنادقهم نحو هذا التنظيم الإرهابي بينما هم لا يريدون إلا خنق روسيا الاتحادية وتحجيمها.
وحقيقة، فإن كثيرين يرون أنه لو أن المسألة مسألة «داعش» لما كانت هناك حاجة لكل هذا التحشيد الكوني، فهذا التنظيم الإرهابي قد استغل ظروف العراق التي استجدت بعد انهيار حكم «البعث» وصدام حسين في عام 2003 وبعد سحب القوات الأميركية من بلاد الرافدين في عام 2011، فحقق وجودا عسكريا وسياسيا لا يمكن إنكاره ولا يجوز السكوت عنه، لكنه وفي كل الأحوال لا يستدعي كل هذا الاستنفار العالمي ولا كل هذه العاصفة السياسية.
وهنا، فإن السؤال - الذي لا شك في أن الذين شاركوا في اجتماع جدة وفي اجتماع باريس الأخير قد طرحوه على أنفسهم وعلى غيرهم هو: هل اقتصار استهداف تنظيم «داعش» على العمليات الجوية كفيل بالقضاء عليه، وهل الاستعانة بقوات برية، عربية وغير عربية، كفيل بمسح هذا التنظيم بصورة نهائية؟!
وبالطبع وبلا أدنى شك، فإن الذين شاركوا في الاجتماعين المذكورين آنفا يعرفون أن «داعش» ليست مجرد ثكنة عسكرية، بالإمكان تدميرها والقضاء عليها، وأنها في حقيقة الأمر حالة سياسية وثقافية وإفراز لتوترات مذهبية وطائفية، لا يمكن معالجتها ووضع حدٍّ لها بسلسلة من الغارات الجوية وبأرتالٍ «مجوقلة» من القوات البرية.. وها هي تجربة أفغانستان لا تزال شاخصة أمامنا ومعها تجربة باكستان وتجربة العراق الذي احتل بقوات أميركية، جوية وبرية وبحرية، تجاوزت المائة والخمسين ألفا وبقوات مساندة وحليفة تجاوز عددها هذا الرقم الآنف الذكر.
إن هذا الكلام ليس من أجل تثبيط الهمم والتشكيك في الفائدة المرجوة من كل هذا التحشيد الذي جعل المنطقة تبدو كأنها بانتظار حرب جديدة كالحرب العالمية الأولى وكالحرب العالمية الثانية.. إنه، أي هذا الكلام، من قبيل التذكير بضرورة عدم استسهال الأمور، فالمواجهة المقبلة بدأت تتحول، ومنذ الآن، من مواجهة مع «داعش» إلى مواجهة بين كتلتين دوليتين؛ كتلة الأربعين دولة المعروفة، وكتلة روسيا وإيران ومعهما نظام بشار الأسد، وحيث غير مستبعدٍ أن تنضم إليها كل من الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا - وإنْ بمجرد الأقوال وليس بالأفعال!
إنه لم يكن ممكنا - ولا يزال غير ممكن - ضم إيران إلى هذا التحالف الكوني المكون حتى الآن من أربعين دولة والذي قد يزداد ويتزايد، وخاصة إذا تحقق إنجاز عسكري ضد «داعش» خلال الأيام القليلة المقبلة، فدولة الولي الفقيه أرادت الانضمام إلى هذا الجهد الدولي بشعار «إن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب»، الذي كان رفعه - ولا يزال - وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فطهران تعرف معرفة أكيدة أنها ستخسر مشروعها التمددي في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها إن هي خسرت نظام بشار الأسد وإن هي خسرت العراق وخسرت «حزب الله» اللبناني، ولذلك فإنها بالتأكيد لن تقف صامتة إزاء كل هذه التحولات المرتقبة، ولذلك أيضا فإنها ستحاول دفع روسيا بوتين إلى تصعيد هي أيضا بحاجة إليه لأنها بدورها تراودها مخاوف حقيقية إزاء هذا التحالف الدولي الجديد الذي تعتقد أنه سيستهدفها في النهاية، مستغلا الأزمة الأوكرانية، ومستغلا الأوضاع المتأزمة في الكثير من الدول والجمهوريات الإسلامية المنضوية في إطار ما يسمى الاتحاد الروسي.
ولهذا، فإنه على هذا التحالف الجديد، الذي تقوده الولايات المتحدة، أن يدرك ومنذ الآن معنى أن يقول الروس والإيرانيون: «إنه سيُعتبر عملا عدوانيا وانتقاصا من سيادة سوريا أي استهداف لـ(داعش) على الأراضي السورية»، وكل هذا والمعروف أن دولة الولي الفقيه ودولة فلاديمير بوتين لم تعتبرا، لا تدمير الإسرائيليين للمشروع النووي السوري، ولا غاراتهم الجوية المتكررة على أهداف عسكرية سورية استراتيجية ولا اختراق طائراتهم جدار الصوت فوق قصر بشار الأسد في القرداحة - أعمالا عدوانية، ولذلك فإن الحكاية هنا هي أن موسكو وطهران تعتقدان حتى حدود اليقين أن الحديث هو عن «داعش»، وأن المستهدف الفعلي هو نظام دمشق، الذي إن هو لن يقبل بحل (جنيف 1) السياسي المعروف فإن انهياره والقضاء عليه سيصبح هو الخيار الذي لا خيار غيره.
وحقيقة، إنه إنْ لم يطرأ ما قد يغير المواقف والاتجاهات فإن نظام بشار الأسد زائل لا محالة حتى قبل زوال «داعش»، إنْ على الأراضي السورية وإنْ على الأراضي العراقية، وذلك لأن معظم الدول التي شاركت في اجتماع جدة وفي مؤتمر باريس - إنْ ليس كلها، ومعها منظومة الأربعين دولة المعروفة، غدت على قناعة بأنه لا بد من دعم المعارضة السورية المعتدلة، وأنه لا خلاص من «داعش» ولا قضاء على النفوذ الإيراني في بلاد النهرين وفي المنطقة كلها من دون التخلص من نظام بشار الأسد الذي حول سوريا إلى قاعدة متقدمة للروس وإلى منطلق للإيرانيين لتصبح حدودهم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني.. كما قال وكرر القول أحد كبار مستشاري مرشد الثورة علي خامنئي.
إن كل المؤشرات تدل على أن باراك أوباما قد أدرك، مع اقتراب نهاية ولايته الثانية، أن تردده قد تسبب في بقاء بشار الأسد حتى الآن وأنه تسبب أيضا في كل هذا الخراب والدمار الذي حل بسوريا وفي كل هذه الأرقام الفلكية من القتلى والجرحى والمشردين من أبناء الشعب السوري، وأنه المسؤول فوق هذا كله عن تغلغل الإيرانيين في هذه المنطقة وعن محافظة الروس على نفوذ الاتحاد السوفياتي في هذه الدولة العربية، ولذلك ولهذا كله فإن الواضح حتى الآن أن هناك متغيرات أميركية استراتيجية إزاء الأزمة السورية، وأن «جرَّة» هذا النظام «لن تسلم» هذه المرة، وأن الأميركيين سيكتشفون أنهم إنْ لن يفعلوا شيئا حقيقيا وإنْ لن يسقطوا هذا النظام فإن «داعش» ستتجذر في هذه المنطقة وأنها ستتسرب حتما إلى الغرب الأوروبي والأميركي.. إنه لا بد من التخلص من نظام ثبت، وبكل الأدلة القاطعة، أنه هو حاضنة هذا التنظيم وحاضنة «القاعدة» وأنه سبب ظهور كل هذه التنظيمات الإرهابية المختفية وراء أسماء كثيرة متعددة، ولذلك فإنه لا بد من إسقاطه وإنه لا بد من أن يكون البديل نظاما ديمقراطيا تعدديا يحافظ على وحدة هذا البلد الذي أصيب بداء التفكك والتشرذم، والذي إنْ هو انتهى إلى التقسيم، لا سمح الله، فإن داء الانقسام سينتقل حتما إلى الكثير من دول هذه المنطقة، العربية وغير العربية.
ويبقى أنه لا بد من الإشارة إلى أن بثينة شعبان قد حذرت، وهي مذعورة وترتجف هلعا وخوفا، في تصريح لـ«سي إن إن»، من أن أي اختراق للمجال الجوي السوري لضرب «داعش» ستواجهه دمشق بإسقاط الطائرات الأميركية، لأنها أتت من دون إذن واعتدت على سيادة سوريا.. وهنا، يبدو أن مستشارة الرئيس بشار الأسد ومستشارة والده قبله قد نست أن الأجواء السورية بقيت مستباحة من قبل الطيران الإسرائيلي ولسنوات طويلة وأنها قصفت في أقصى شرق «القطر العربي السوري» وعادت سالمة وقصفت في قاسيون وفي عين الصاحب وعادت سالمة، وأنها اخترقت المجال الجوي فوق قصر «الرئيس»، القائد الأعلى للقوات العربية السورية، وعادت أيضا سالمة.
وبهذا، فإنه يظهر أن حال بثينة شعبان كحال مسافر الصحراء ليلا، الذي عندما يستبد به الخوف يبدأ بالغناء بأعلى صوته بدل أن يسكت، ويبدو أنها ستطوي صفحة التصريحات العنترية هذه نهائيا بعد قراءة تصريح باراك أوباما الذي قال فيه: إذا فكر الأسد في إطلاق النار على الطائرات الأميركية التي تدخل المجال الجوي السوري فسندمر الدفاعات الجوية السورية كافة.. وسيكون هذا أسهل لقواتنا من ضرب مواقع «داعش»، وهذا يعني أن الأمور، كما يبدو، أصبحت في غاية الجدية هذه المرة، وأن أيام نظام بشار الأسد باتت معدودات... إذا تواصل مسار الأحداث على هذا النحو وبهذه الطريقة!